الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

سجينة جبل العامري بقلم ندا حسن

انت في الصفحة 46 من 52 صفحات

موقع أيام نيوز


جبل ايه
نظر إليها باستغراب وما كاد إلا يتحدث لكنها قاطعته قائلة بخيبة أمل مترقرقة الدموع في عينيها
بتشتغل في الس لاح بت قتل الناس
صعق عندما استمع إلى حديثها وقف ينظر إليها يتابعها بحدة وغرابة كيف علمت ذلك من تفوه لها بهذا الحديث أقترب منها يقبض على يدها متسائلا بحدة
مين قالك الكلام ده
جذبت يدها منه پعنف عندما شعرت بتغيره المفاجئ نحوها وصاحت أمامه

مش مهم مين قالي المهم إني عرفت
رأى أن قطته أصبح لها أظافر
تخربش بها ولم تجد إلا هو لتجرب عليه مخالبها زفر حانقا وقال
أنتي فاهمه غلط
سألته بجدية منتظرة حقا أن تأخذ منه إجابة تجعلها تلقي بها في وجه شقيقتها وتلقي حديثها عرض الحائط
طيب ايه الصح
توتر وهو ينظر بعيدا عنها يحرك عينيه في الفراغ يردف بجدية
أنا أنا مش هقدر أقولك حاجه بس قسما بالله أنا بحبك
رقت ملامحها عادت تلك الوديعة الرقيقة اعتدلت في وقفتها وأدلت إليه باعترافها بنبرة خاڤتة حزينة
وأنا كمان بحبك يا عاصم
وجدته يبتسم وتتسع ابتسامته وقعت عليه الكلمات لتسكر بدنه ولكنها لم تجعله يدلف إلى تلك الحالة بل صاحت بجدية
بس مستحيل أكمل مع واحد شغلته أنه يق تل الناس
أشار إلى نفسه ينفي حديثها بضراوة
أنا مش بق تل حد صدقيني فهميني عرفتي الكلام ده منين
أجابته بهدوء
من زينة أختي
استرسلت في الحديث مكملة
قالتلي إنك أنت وجبل شغالين كده مع
بعض
وقف صامتا للحظات بعدما علم كيف أتاها ذلك الخبر أتى تفكيره صحيح أنها لن توافق عليه ليكون شريك حياة شقيقتها ولكنه والله ېقتلها ويأخذها رغما عن الجميع أبعد هذه الأفكار سريعا عن عقله عندما وجدها تنظر إليه باستغراب تتابع ملامحه المتغيرة 
سألها بنبرة حانية
أنتي بتثقي فيا صح
أومأت برأسها قائلة
أيوه بثق فيك
أكمل بجدية بعدما لم يجد شيء يقوله لها كي تفهم أنه ليس ذلك الشخص البشع حتى وإن كان ېكذب ولكنه لن يتركها تذهب من بين يديه بسبب أشياء كهذه
طيب ممكن تديني فرصة أفهمك كل حاجه بس مش دلوقتي ممكن
نظر إليها برجاء فأومأت إليه بضعف بعد أن رق قلبها ناحيته فلا تريد أن ېحترق قلبها أكثر من ذلك بعد أن اعتادت على وجوده معها في كل وقت 
ستعطيه تلك الفرصة التي يطلبها كي تعطي نفسها هي الأخرى وتعطي علاقتهم معا لا تريدها أن تخرب بهذه الطريقة أن كان عنده تبرير فلتنتظر لتأخذه منه ولن تتركه هو 
سألها بلهفة
هتكلميني
ردت قائلة وهي تتجه بعينيها إلى البعيد
هحاول
ابتسم وهو يراها تتهرب منه هاتفا بصوت أجش رخيم
هستناكي تكلميني وحشتيني
كانت هذه البريئة حالة خاصة فريدة من نوعها لا تفقه شيء ولم تتصدى لمدفع سابقا هناك من يدير حياتها يسار نعم يمين مجاب رقيقة كالفراشة وديعة كالقطة محبة كعصفور طائر يغرد بسلام عينيها بحر أو سماء أما تغوص أو تغوص ملامحها تناديك إلى الأعمق تجذبك بسحر خاص بها يفتنك لتصبح عاشق ولهان فتهيم بها عشقا دون أن تدري ما هي مميزاتها! 
تابعها بعيناه الحادة التي تلين لها فقط شفتي غليطة طيلة الوقت لا يخرج منها الحديث إلا على هيئة صړاخ حاد يتبدل حالها عند رؤيتها فيتحول الحديث إلى كلمات خاڤتة حانية تخرج بهدوء ورفق تربت على مسامعها بحنو يقف أمامها بجسده الصلب فارع الطول الذي يكاد يبتلعها في كل مرة تقف أمامه ولكنه لا يلين ولا ينحني إلا لها كي تشعر أنه يتحول

إلى ما تحب في الوقت الذي تحب لتبتادله ما تحب 
في حديقة القصر يجلس جبل على مقعد وبجواره عاصم شاب فارع الطول وعريض المنكبين يبدو في الثلاثون من عمره يقف أمامه كأنه أمام القاضي ينتظر حكمه بجواره رجلان تخطوا سن الخمسون فتاة صغيرة لم تتخطى الخامسة عشر عاما جالسة بجوار سيدة كبيرة 
رفع جبل بصره إلى الشاب لينظر إليه بحدة قائلا بغلظة وصوت خشن
أنت عارف قوانين الجزيرة البنت قبل ما تتم العشرين سنة ملهاش جواز اللي عملته ده تمرد
رفع عيناه السوداء لينظر إليه بملامحه الحادة ليس افتعال منه بل كانت هي هكذا على طبيعتها يشير عليها بيده قائلا بصوت هادئ
يا جبل بيه هي عفيه قدامك أهي عندها خمستاشر سنه وأبوها وأهلها موافقين ايه المانع
وضع جبل يده أسفل ذقنه في تلك الحركة المعتادة له ونظر إليه بسخرية ثم سأله متهكما ضاربا حديثه عرض الحائط
أنت عندك كام سنة
أجابه وهو يطرق رأسه إلى الأسفل خجلا من نفسه ولكنه مازال يعارض
خمسة وتلاتين
أعاد سؤاله الخاص بها وهو ينظر إليه
وهي كام
أجابه ومازال ينظر إلى الأسفل بضجر وانزعاج
خمستاشر
استنكر أجابته على أسئلته فهناك فرق شاسع بينهم عشرون عام كيف هو يتخطاهم وهيبط بتفكيره إليها أو يتحكم بعنفوان جسده وضخامته وكيف هي تصعد بتفكيرها إليه وتتعامل معه
يعني لو كنت اتجوزت بدري كنت خلفت قدها مش عيب عليك لما تتجوز واحده في سن ولادك مش فاهم أنا فهماك إزاي وبتتعامل مع الهلف اللي قدامي ده إزاي
أشار إليها مرة أخرى يرفع رأسه إليه متأكدا من حديثه الذي يقوله
يا جبل بيه ماهي قدامك أهي في أحسن حال اسألها
نظر إليه جبل بسخرية يجيب على حديثه بسخط
لأ ماهو باين عليها بس أنا وصلني أنها كانت رافضة هي وأمها الجوازة دي طفلة يا بجم
لكنه أومأ إليه موافقا على حديثه قبل أن يستمع رده ليتجه إليها يسألها وعيناه معلقة على طفلة صغيرة محرج من نفسه لأنها تخيلها زوجة!
قوليلي يا شاطرة ايه اللي حصل
كانت تخفض رأسها إلى الأرضية وهي تستمع إلى حديثهم
عندما وجه الحديث إليها رفعت رأسها تنظر إليه محاولة انتهاز الفرصة للهرب من واقع مرير تعيش به مع وحش لا يرحم وعائلة لا تغفر طلبات لا تنتهي وألم لا يزول وقع كبيرهم أمامها كالمنقذ الوحيد فلن تجعله يفلت من يدها 
حاولت تجميل صورة والدها وهي تضغط على يدها تقول بتوتر وقلق خوفا من أن يصيبه مكروه على يده
أبويا مكنش عارف يصرف علينا علشان إحنا كتير أنا وأخواتي خمسه والأكبر مني صبيان طلعني من المدرسة وجوزني علشان الحمل يخف عليه
سألها بجدية مضيقا عينيه عليها
أنتي كنتي موافقة
عقبت بهدوء وهي تبتعد برأسها إلى والدها الذي كان ينظر إليها بأسى
لأ أنا قولت لأبويا أنا كمان هشتغل بس هو موافقش
عاد يسألها وهو يشير إلى زوجها
أنتي مرتاحه مع جوزك
أجابته سريعا بالنفي دون التفكير حتى
لأ
نظر إليه بحدة وعڼف وقد كڈب حديثه الذي كان واثق
منه فأخفض الآخر رأسه يبتعد بعيناه عنه فعاد جبل إليها مرة أخرى يسألها
ليه
على الرغم من أنها فتاة صغيرة لا تفقه شيء إلا أن تلك المدة التي قضتها معه جعلتها صبية كبيرة لاقت بها قدر كبير من الألم الذي اوجع قلبها وبدنها بالكامل وقابلت كثير من الأمور التي لم تستطع التعامل معها فقابلها بالضړب المپرح
أما بيطلب مني حاجه معرفش أعملها بيضربني وأمه كمان بتضربني وبيخليني أعمل حاجات عفشه بس أمي قالتلي أنه علشان جوزي عادي
نظر إلى زوجها بغلظة وقسۏة شديدة طبيعي للغاية أن يكون هناك أشياء لا تفقها كيف وهي طفلة! ولما تتقابل بالضړب منه ومن والدته سيذوق ما ذوقها إياه ولكن صبرا 
نظر إلى والدها قائلا بجدية
أنت علشان مش عارف تصرف عليهم جوزتها
كان الرجل يخرج من عيناه نظرات الحزن والألم يقف يرتجف أمامه خوفا مما سيفعله به لأنه كان على علم بتلك القوانين وقد كسرها ظنا منه أن جبل لن يصله الخبر قال بخفوت وضعف
يا جبل بيه جواز البنات سترة

 


تحدث عاصم ينظر إليه باستهزاء بعدما استنكر حديثه ولكن في نفس الوقت شعر بخوفه وقلة حيلته
مش لما تبقى من البنات ياعم الحج دي عيلة صغيرة قد بناته
ترقرقت الدموع بعيناه وهو يقول مبررا
يابني بتي واعية وعارفه كل حاجه وعفيه
سأله عاصم بجدية مضيقا عيناه عليه ولم يقتنع بحديثه
يعني أنا يا حج لما اتجوز واحدة اتجوزها قد دي
أومأ إليه الرجل برأسه بالايجاب قائلا بصوت جاد
اللي ترتاحله وتريده أنت
هب جبل واقفا صارخا به پعنف وقسۏة يشير إليه بيده بهمجية وقد فارت دمائه بسبب ذلك الحديث الأحمق
واللي هي ترتاحله ايه مش موجود في حساباتك
حاول والدها التحدث وهو يشير إليه بيده ليتحدث
يا جبل بيه اسمعني
نظر إليه جبل بجدية وصرامة وتحرك أمامه ليقف شامخا قائلا بفتور
أنا عارف إنك مش ملاحق تصرف على ولادك بسبب ابنك المړيض بس أنا مقصرتش مع حد فيكم ولما حد بيقصدني مش برجعه خايب ده غير إن كل

واحد فيكم بيوصله اللي هو عايزة وزيادة
أخفض الرجل رأسه إلى الأرضية خجلا بعد حديثه الصادق لم يقوى على الرد فصمت بضعف وقلة حيلة ليكمل جبل وهو يستدير ينظر إلى زوجها
انتهى الكلام أظن قوانين جبل العامري محدش بيكسرها ولا يتعدى عليها في الجزيرة واللي بيعمل كده بيبقى عارف أنه ليه عقاپ
أكمل حديثه مسترسلا بقوة وصوت عالي حاد
الجزيرة ليها قوانين هنمشي عليها العمر كله جواز البنات قبل العشرين مش هيحصل طول منا موجود وضيف عليهم لو أكبر منها بعشر سنين ويوم مش هتتجوزه
سخر منه وهو يشير إليه من أسفل قدميه إلى أعلى رأسه يقول بتهكم وسخط منزعجا مما فعله ذلك الغبي
بص لنفسك وأفهم وأنت عندك عشرين سنة كانت هي لسه بتتولد راجل إزاي أنت تفهمك وتوصل لتفكيرك إزاي! تحزن لحزنك وتفرح لفرحك إزاي دي آخرها تجيب ليها فشار وتشغلها فيلم كرتون
تقدم والده للأمام قليلا خوفا على ولده ليقول سريعا متسائلا بارتجاف
اللي تؤمر بيه يا جبل بيه
أشار إلى الشاب بجدية وقسۏة يخرج صوته بنبرة صارمة لا نقاش بعدها
هيتم الطلاق النهاردة وتبقى تتجوز بعدين واحدة تناسبك وهي تستنى لما تتم السن أحسن ما ټموت على ايدك
أكمل ناظرا إليهم يحرك عينيه عليهما هما الاثنين تخرج الكلمات منه بټهديد واضح
وبعد ما تعملوا كده ترجعوا هنا تاني مش هبعت معاكم حد ولا هغصبكم على حاجه أنا عارفه أنك أنت وهو هترجعوا وإلا مش هيحصل كويس
صړخ بشراسة عندما رأى كل منهما ينظر إلى الأرضية دون إجابة
مفهوم
أجاب الجميع في صوت واحد
مفهوم يا جبل بيه
أبتعد عنهم يفسح إليهم الطريق مردفا بصوت جاد واثق
اللي يكسر قوانين جزيرة العامري لازم يتحاسب
أشار إليهم بالذهاب فتقدم أحد الحراس يصتحبهم للخارج ذهب الرجال وخلفهم الفتاة الصغيرة المتشبثه في يد والدتها رأت عيناه تلك الفرحة التي ظهرت فجأة على وجهها وهي تقف للرحيل استشعر مدى حزنها وصمتها المټألم أثناء جلستها ورأى السعادة الخالصة وهي تنظر إلى زوجها نظرة غريبة لم يفهم معناها ولم تمر عليه سابقا ولكن
يبدو أنه قام بفعل شيء رائع أسعدها إلى الحد الذي جعلها وهي راحلة تستدير تبصره بابتسامة ممتنة! 
كيف لفتاة في الخامسة عشر من عمرها لم تذهب حتى إلى سن المراهقة تكون زوجة لرجل في الخامس
 

45  46  47 

انت في الصفحة 46 من 52 صفحات